حديقة الشعب

حديقة فولكسغارتن في فيينا ليست مجرد حديقة عامة، بل هي إرثٌ حيٌّ من تاريخ المدينة، ومكانٌ للترفيه، ومثالٌ رائعٌ على تصميم الحدائق في القرن التاسع عشر. تقع حديقة فولكسغارتن بين هوفبورغ، وشارع رينغشتراسه، ومسرح بورغ، وتُشكّل واحةً خضراء في قلب فيينا، ملاذًا يجمع بتناغمٍ بين الثقافة والتاريخ والطبيعة.
بُنيت حديقة فولكسغارتن في الأصل على أنقاض تحصينات المدينة القديمة. بعد تدمير أجزاء كبيرة من معاقل فيينا على يد القوات النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، اغتنمت الفرصة لتصميم حديقةٍ على الطراز الفرنسي. افتُتحت عام ١٨٢٣ كواحدةٍ من أوائل الحدائق العامة في أوروبا، وهو مفهومٌ ثوريٌّ في عصرٍ كانت فيه المساحات الخضراء محجوزةً في الغالب للنبلاء. كان اسم “فولكسغارتن” بمثابة بيانٍ برنامجي: حديقةٌ للشعب، في متناول الجميع.
اليوم، تشتهر حديقة فولكسغارتن بأحواض زهورها المتناسقة، ومروجها المشذبة بعناية، وشوارعها المظللة المزدانة بالأشجار. أما حديقة الورود، فهي مشهورة عالميًا، إذ تضم أكثر من 3000 شجيرة ورد من أكثر من 200 نوع، تتفتح أزهارها من الربيع إلى أواخر الصيف. وتخلق الرائحة العطرة، وتنوع الألوان، وطنين النحل، جوًا من الهدوء والجمال، مثاليًا للنزهات، واللحظات الرومانسية، أو للتوقف على أحد مقاعد الحديقة العديدة.
يُعد معبد ثيسيوس، وهو مبنى على الطراز الكلاسيكي الحديث من تصميم بيتر فون نوبيل، وكان يضم في السابق منحوتة لأنطونيو كانوفا، من أبرز المعالم المعمارية في الحديقة. ويُستخدم المعبد اليوم لإقامة معارض فنية صغيرة، وهو موضوع شائع للتصوير. ولا يقل عن ذلك روعةً نصب سيسي التذكاري، المخصص للإمبراطورة إليزابيث النمساوية، إذ تحيط به شجيرات الورد، وينتصب تمثالها الرخامي على عرش الأناقة الهادئة في الجزء الشمالي من الحديقة.
تجمع حديقة فولكسغارتن ببراعة بين روعة الإمبراطورية وسهولة الوصول إليها. يستمتع المتنزهون عبر مساراتها المُشذّبة بجمال النباتات، ويستشعرون أيضًا عبق تاريخ فيينا العريق. كما أن موقعها المركزي يجعلها ملتقىً شهيرًا للسكان المحليين وزوار المدينة.
سواءً كمحطة توقف سريعة خلال نزهة في المدينة، أو كمكان هادئ للقراءة والاسترخاء، أو كخلفية لالتقاط صور لا تُنسى، فإن حديقة فولكسغارتن هي من تلك الأماكن في فيينا التي لا تكتفي بزيارتها، بل تأسر قلبك.